كثيرًا ما يثير بعض الناس سؤالًا ظاهره التعجب وباطنه التشكيك في نصوص القرآن الكريم، فيقولون: كيف يقول الله تعالى في كتابه إنَّه لا يعلم ما في الأرحام إلا هو، بينما الأطباء اليوم يستطيعون معرفة جنس الجنين ذكرًا كان أو أنثى؟!

هذا السؤال يتكرر كثيرًا في زمن التقدّم العلمي، وهو ناتج عن عدم التفريق بين العلم الإلهي المحيط الكامل وبين العلم البشري الجزئي المحدود. فالله جلّ جلاله هو الخالق الذي أحاط بكل شيء علمًا، أمّا البشر فلا يعلمون إلا ما أذن الله لهم أن يعلموه. وفي هذا المقال سنجيب عن هذا التساؤل بأسلوب علمي وعقائدي واضح، يزيل اللبس، ويبيّن عظمة قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  [لقمان: 34]

السؤال:

يقول قائل:

"إن الله أخبر في القرآن أنه لا يعلم ما في الأرحام إلا هو، والآن الأطباء يستطيعون معرفة الجنين، هل هو ذكر أم أنثى؟ فكيف ذلك؟"

الجواب:

نقول لهم: متى علمتم بهذا؟!

هل علمتم به في الأيام الأولى للحمل، حين كانت النطفة في قرار مكين، لم تتشكل بعد، ولم يُنفخ فيها الروح؟

هل علمتم بذلك قبل أن يلتقي الرجل بزوجته: ماذا سيكون المولود؟ أهو ذكر أم أنثى؟

إنكم لا تعلمون إلا بعد أن يأذن الله بتكوّن الجنين وظهور علاماته، أي بعد أن يمر بمراحل الخلق التي وصفها الله في كتابه:

﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]

فأنتم – أيها الأطباء – لا تعلمون الجنين في هذه المراحل الأولى، وإنما بعد أن يتكوّن بعض خلقه ويظهر نوعه بأمر الله، وهذا العلم ليس علمًا غيبيًا، بل هو علم مشاهد مكشوف عبر الأجهزة الطبية بعد أن يُوجِد الله الجنين ويُظهر خلقه.

ثم نسألهم سؤالًا آخر:

لو علمتم نوع الجنين، فهل علمتم ماذا سيكسب من الأرزاق؟

هل علمتم هل سيكون شقيًا أم سعيدًا؟

هل علمتم كم عمره؟ ومتى وأين سيموت؟

هذه الأمور كلّها مما استأثر الله بعلمها، كما في الحديث الصحيح:

قال النبي ﷺ:

«يُرسَلُ المَلَكُ إلى النطفة بعد أربعين ليلة، فيقول: يا رب، أذكرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيد؟ ما رزقُه؟ ما أجلُه؟ فيُكتَب ذلك كلُّه» رواه البخاري (3208) ومسلم (2643)

فهل يحيط أحد من البشر بكل هذه الأمور مجتمعة؟

الجواب: لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، لأنه هو الذي خلق وقدّر وأمر.

الخلاصة:

إن علم الأطباء بجنس الجنين ليس علمًا بالغيب، وإنما هو علم جزئي محدود بعد وجود السبب، أما علم الله سبحانه فهو علم شامل محيط سابق للوجود، يعلم ما سيكون قبل أن يكون.

فشتّان بين علم الخالق وعلم المخلوق!

ولذلك قال الله تعالى في نهاية الآية الكريمة:

﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ليبيّن أن علمه كامل لا يعتريه نقص، وأن علم البشر ناقص لا يكون إلا بعد إذنه.

.

المصادر:

1)               القرآن الكريم.

2)               صحيح البخاري (3208).

3)               صحيح مسلم (2643).

4)               تفسير الطبري عند قوله تعالى ﴿ويعلم ما في الأرحام.

5)               تفسير ابن كثير (7/290).