يحاول خصوم الدعوة السلفية، وعلى رأسهم الرافضة، إيهام الناس بأن ما يسمونه "الوهابية" مذهب مبتدع يخالف أهل السنة والجماعة، في محاولة للفصل بين السلفية وحقيقة منهج الإسلام الأصيل. والحقيقة التي تثبتها النصوص والشهادات الموثوقة من علماء الأمة قديمًا وحديثًا، أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ليست سوى امتداد لعقيدة السلف الصالح، القائمة على الكتاب والسنة وإجماع العلماء والقياس الصحيح. وفي هذا المقال، نعرض عقيدة الشيخ مفصلة من كلامه هو، ثم نقارنها بأقوال أئمة الإسلام المتقدمين، ليتبين للقارئ أن ما يروجه أعداء الدعوة ما هو إلا تلبيس وافتراء.
قال الامام ابو اسحاق الشيرازي:
" وأول ما يبدأ به الكلام على خطاب الله عز و جل وخطاب رسوله صلى الله عليه و سلم لأنهما أصل لما سواهما من الأدلة ويدخل في ذلك أقسام الكلام والحقيقة والمجاز والأمر والنهي والعموم والخصوص المجمل والمبين والمفهوم والمؤول والناسخ والمنسوخ ثم الكلام في أفعال رسول الله صلى الله عليه و سلم وإقراره لأنهما يجريان مجرى أقواله في البيان ثم الكلام في الأخبار لأنها طريق إلى معرفة ما ذكرناه من الأقوال والأفعال ثم الكلام في الإجماع لأنه ثبت كونه دليلا بخطاب الله عز و جل وخطاب رسوله صلى الله عليه و سلم وعنهما ينعقد ثم الكلام في القياس لأنه ثبت كونه دليلا بما ذكر من الأدلة واليها يستند "
اللمع في أصول الفقه – ابو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي - ص 3
من مواضيع السقيفة:
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
الرد على منكري نفي رؤية الله سبحانه وتعالى
كشف افتراءات الرافضة التفريق بين السنة والوهابية
قال الامام الجويني:
" فأصول الشريعة الكتاب والسنة والإجماع ثم الأقيسة الظنية علامات انتصبت على الأحكام [أعلاما] بأصل من الأصول الثلاثة مقطوع به كما سبق شرح ذلك "
البرهان – ابو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني - ج 2 ص 178
قال الامام البزدوي:
" أعلم أن أصول الشرع ثلاثة الكتاب والسنة والإجماع والأصل الرابع القياس بالمعنى المستنبط من هذه الأصول "
أصول البزدوي – علي بن محمد البزدوي - ج 1 ص 5
قال الامام يحيى بن ابي الخير العمراني:
" والأصول التي بنى أصحاب الحديث عليها أقوالهم، الكتاب والسنة والإجماع والقياس "
الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار - يحيى بن أبي الخير العمراني - ج 1 ص 102
قال الامام ابن حجر:
" بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُصُولَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ هُمَا الْأَصْلُ وَالْآخَرَانِ مَرْدُودَانِ "
فتح الباري – احمد بن علي بن حجر - ج 4 ص 366
قال الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مبينا العقيدة التي يعتقد بها، حيث أَجمَلَ، وفَصَّل، فقال:
" أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له، ولا ندله، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل: وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: ﴿سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين﴾ والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود: وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمة، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.. وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى كما قال تعال: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾، وقال تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾، وقال تعالى: ﴿وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾ وهو لا يرضى إلا التوحيد؛ ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب؛ كما قال تعالى:﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾.
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم ) وأترض عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء وأقر بكرامات الأولياء ومالهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته؛ وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.
وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية هو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.
فهذه عقيدة وجيزة حررنها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل "
الرسائل الشخصية - محمد بن عبد الوهاب - ج 1 ص 1 – 4
ولقد جاء تصريح علماء الامة قبل الامام محمد بن عبد الوهاب بنفس العقيدة التي قال بها، فالامام مسبوق بكل ما قال به في عقيدته، ومنهجه من كلام اهل العلم الذين استندوا على الكتاب والسنة في استدلالهم على عقيدتهم، فكان محمد بن عبد الوهاب مقتديا بهؤلاء العلماء، وذلك لان العلماء ورثة الانبياء كما جاء في الحديث النبوي الشريف.
قال الامام الاجري رحمه الله:
" اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع "
الشريعة - محمد بن الحسين الآجري - ج 2 ص 201
وقال الامام احمد رحمه الله:
" وصفوا الله بما وصف به نفسه وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه "
العقيدة - أحمد بن حنبل - ج 1 ص 65
وقال الامام الدار قطني ناقلا قول الامام سفيان بن عيينة:
" 61 حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عِيسَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل "
الصفات - أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الدارقطني – ص 41
وقال الامام البربهاري:
" 9 - واعلم رحمك الله أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه عز و جل في القرآن وما بين رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه فهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
شرح السنة – أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ البربهاري – ص 24