مسألة رضاع الكبير من المسائل التي أثارت جدلاً واسعاً بين الفقهاء قديمًا وحديثًا، حيث ورد فيها حديث سهلة بنت سهيل مع سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما، فوقع الخلاف في حكمه: هل هو خاص بسالم وحده، أم يُعمل به عند الحاجة، أم أنه منسوخ ولا يُعمل به مطلقًا؟ وقد تناول كبار العلماء هذه المسألة بالشرح والبيان، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والصنعاني، والعلامة ابن عثيمين وغيرهم، فتنوعت أقوالهم بين الإباحة للحاجة، أو التخصيص بالقصة، أو المنع مطلقًا 

مقالات السقيفة ذات صلة:

الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

أصول أهل السنة والجماعة في الصفات

رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة

قال ابن عثيمين:

أما خصوصية وصف فالأمر فيها قريب، وقد اختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه إذا كان المقصود بالإرضاع التغذية فإنه لا يكون إلا في زمن الرضاع، وإذا كان المقصود بالرضاع دفع الحاجة جاز ولو للكبير، وعندي أن هذا ـ أيضاً ـ ضعيف، وأن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه.

ويرى بعض العلماء أن مطلق الحاجة تبيح رضاع الكبير، وأن المرأة متى احتاجت إلى أن ترضع هذا الإنسان وهو كبير أرضعته وصار ابناً لها، ولكننا إذا أردنا أن نحقق قلنا: ليس مطلق الحاجة، بل الحاجة الموازية لقصة سالم، والحاجة الموازية لقصة سالم غير ممكنة؛ لأن التبني أُبطل، فلما انتفت الحال انتفى الحكم....... والخلاصة أنه بعد انتهاء التبني نقول: لا يجوز إرضاع الكبير، ولا يؤثر إرضاع الكبير، بل لا بد إما أن يكون في الحولين، وإما أن يكون قبل الفطام، وهو الراجح.

الشرح الممتع على زاد المستقنع ج 13 ص 435

مقالات السقيفة ذات صلة:

أن الله كتب التوراة لموسى بيده

الأصل حمل الصفات على الحقيقة (3)

قال ابن تيمية:

وهذا الحديث أخذت به عائشة وأبى غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذن به؛ مع أن عائشة روت عنه قال: "الرضاعة من المجاعة" لكنها رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة أو تغذية.

 فمتى كان المقصود الثاني لم يحرم إلا ما كان قبل الفطام. وهذا هو إرضاع عامة الناس. وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم. وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها. وهذا قول متوجه.

مجموع الفتاوى ج 34 ص 59

قال الصنعاني:

" والأحسن في الجمع بين حديث سهلة وما عارضه: كلام ابن تيمية، فإنه قال: إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثّر رضاعه. وأما من عداه، فلا بد من الصغر. انتهى. فإنه جمع بين الأحاديث حسن، وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص، ولا نسخ، ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث "

سبل السلام ج 2 ص 313

وقال ابن القيم:

" وهذا أولى من النسخ، ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين. وقواعد الشرع تشهد له والله الموفق " 

زاد المعاد ج 5 ص 593