المقدمة:
يتفق أهل السنة والجماعة على أصل راسخ في باب العقيدة، وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وما صحّ عن نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وهم يسلكون في ذلك مسلك الإثبات بلا تشبيه، والتنزيه بلا تعطيل، ويعدّون ذلك من أعظم ما يُميّز منهج أهل السنة عن أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة وغيرهم.
أولاً: تقرير الإمام البغوي لمذهب السلف في الصفات
قال الإمام الحسين بن مسعود البغوي في كتابه شرح السنة (ج1، ص170–171)، بعد ذكره لآيات الصفات وأحاديثها:
"فكل ما ورد من صفات الله عز وجل في القرآن أو السنة، يجب الإيمان به، وإمراره على ظاهره، دون تأويل أو تشبيه، مع الاعتقاد أن الله لا يشبهه شيء من خلقه، كما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين."
وقد بيّن أن هذا هو مذهب السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، حيث تلقوا هذه النصوص بالإيمان والتسليم، وأعرضوا عن التأويل، وتجنبوا التشبيه، ووقفوا علم الكيفية على الله تعالى.
ثانيًا: تقرير الإمام اللالكائي في اعتقاد أئمة الإسلام
في اعتقاد أهل السنة (ج1، ص176–179)، نقل الإمام اللالكائي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه سأل أباه وأبا زرعة الرازي عن معتقد أهل السنة، فقالا:
"أدركنا العلماء في جميع الأمصار (الحجاز، العراق، الشام، اليمن) على أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه، بلا كيف، يُرى في الآخرة، يسمع كلامه أهل الجنة... وكل ذلك على ما جاء به الكتاب والسنة، دون تأويل أو تعطيل."
وشدّدا على بطلان قول الجهمية والمعتزلة، وصرّحا بكفر من زعم أن القرآن مخلوق أو شك في ذلك، وأكّدا أن الرافضة خالفوا الإسلام، والجهمية كفار، والمرجئة والقدرية من أهل الضلال.
كما نوّها إلى أن من علامات أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، ووصفهم بالحشوية أو المشبهة أو المجبرة أو الناصبة، وأن هذه الألقاب لا تجمع أهل السنة، ولا تصح عليهم.
ثالثًا: تقرير الإمام الدارقطني وبيان موقف السلف
في كتابه الصفات (ص41)، روى الدارقطني عن سفيان بن عيينة قوله:
"كل ما وصف الله به نفسه في القرآن، فقراءته تفسيره، لا كيف ولا مثل."
وفي موضع آخر (ص43)، ذكر أنه سُئل عن أحاديث الصفات مثل: "يحمل السماوات على إصبع"، و"قلوب بني آدم بين إصبعين"، و"يضحك الله"، فأجاب:
"هي كما جاءت، نقرّ بها ونحدث بها بلا كيف."
فهذا يؤكد أن مذهب السلف هو الإثبات بلا تكييف، والتسليم بلا تمثيل، وأن هذه النصوص تُؤخذ كما هي، دون تحريف في المعنى أو تعطيل لأثرها.
رابعًا: قواعد أهل السنة في باب الصفات
من خلال استقراء أقوال الأئمة المتقدمين،
يمكن تلخيص منهج أهل السنة في باب الصفات في القواعد الآتية:
1- إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف أو تأويل.
2- نفي التمثيل والتشبيه، عملاً بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
3- الإيمان بأن صفاته حقيقية، لكنها تليق بجلاله، ولا تشبه صفات المخلوقين.
4- السكوت عن الكيفية، لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
5- ردّ التأويل الكلامي الذي يسلكه أهل البدع لتحريف الصفات، كتفسير اليد بالقدرة أو السمع بالعلم.
6- عدم الخوض في هذه المسائل بالنزاع والجدال، بل يكفي الإيمان والتسليم.
7- التحذير من أهل التأويل والتعطيل والتشبيه، ووصفهم بالضلال، كما صرّح بذلك أئمة الإسلام.
خاتمة:
إن منهج أهل السنة والجماعة في باب الصفات قائم على الإثبات الشرعي والتنزيه العقلي، وهو المنهج الذي عليه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، من أمثال: الإمام أحمد، والبخاري، وابن خزيمة، واللالكائي، والبغوي، والدارقطني، والذهبي، وابن تيمية، وغيرهم.
وهذا المنهج يُعد حائط الصدّ الأول في وجه البدع الكلامية، ويجمع بين الإيمان الصادق والتعظيم لله سبحانه، بلا تحريف ولا تعطيل.