من المسائل التي أثارت جدلاً واسعًا في التراث الإسلامي قضية تفسير قوله تعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾، حيث وردت روايات ضعيفة أو موضوعة تذكر أن المقام المحمود هو إقعاد النبي ﷺ على العرش. وقد تناول المحدثون هذه الأخبار بالنقد الشديد، مبيّنين علل أسانيدها ومخالفتها للمرويات الصحيحة التي فسرت المقام المحمود بالشفاعة العظمى. كما وجد لهذا المعنى روايات في المصادر الشيعية، أحيانًا بزيادات ومبالغات تصل إلى إقعاد أهل البيت جميعًا على العرش، مما يفتح بابًا لنقاش علمي حول مدى صحة هذه النصوص وأثرها في الفكر العقدي.
مقالات ذات صلة:
شبهة: (ثم استوى على العرش) دون تأويل باطل أو تشبيه
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
شبهة حديث «رأيت ربي في صورة شاب له وفرة»
آية التطهير: في ضوء تفسيرات الألوسي والشوكاني
حدثنا أبو بكر ثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد: (﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾، قال يقعده معه على العرش)
قال الألباني:
«إسناده ضعيف مقطوع والليث مختلط على أنه قد توبع وليس في ذلك ما يحتج به كما بينته في كتابي مختصر العلو للعلي العظيم للحافظ الذهبي» (ظلال الجنة1/367).
وقد نقل ابن القيم أبياتا من الشعر وهي:
حديث الشفاعة عن أحمد =إلى أحمد المصطفى نسنده
وجاء حديث بإقعاده=على العرش أيضا فلا ننكره
أمروا الحديث على وجهه =ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قائم =ولا تنكروا أنه يفعده
قال الألباني رحمه الله:
«فهذا إسناده لا يصح من أجل أبي العز هذا» إلى أن قال « فاعلم أن إقعاده على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل» يعني حديث «يجلسني على العرش» (سلسلة الأحاديث الضعيفة2/256).
ومع هذا كله فلم يصح شيء من ذلك مرفوعا إلى النبي . بل الصحيح المرفوع قول رسول الله «هي الشفاعة» (رواه الترمذي وصححه الألباني2508). وهو الصحيح المقدم على غيره من التفاسير.
أما الرافضة فلهم روايات في إثبات ذلك. فقد روى الشيعة عن علي « فإذا كان يوم القيامة أقعده – أي محمدا - الله عز وجل على العرش فهذا أفضل مما أعطي سليمان» (الاختصاص للمفيد ص18 الاحتجاج1/327 للطبرسي، حلية الأبرار1/245 هاشم البحراني، بحار الأنوار1/441 71/288 كلمات الإمام الحسين للشيخ الشريفي ص177 تفسير نور الثقلين3/207 للحويزي4/458).
«ويقوم الحسن فيتبعه من كان يتولاه ويقوم الحسين فيتبعه من كان يتولاه ثم يقوم مروان بن الحكم وعبد الملك فيتبعهما من كان يتولاهما، ثم يقوم على بن الحسين فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم الوليد بن عبد الملك ويقوم محمد بن على فيتبعهما من كان يتولاهما، ثم أقوم أنا فيتبعنى من كان يتولاني، وكأني بكما معى، ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربنا» (تفسير العياشي2/312).
وعن الحسين بن على قال:
«قال علي عليه السلام: قد ذكر مناقب الرسول صلى الله عليه واله ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيمة أقعده الله تعالى على العرش» (تفسير نور الثقلين3/207 للحويزي).
قالوا « ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيمة أقعده الله تعالى على العرش فهذا أفضل مما أعطى سليمان عليه السلام» (تفسير نور الثقلين4/458).
بل رووا أن أهل البيت يجلسون كلهم على العرش.
كما في النصوص التالية:
رواية الأشباح والعفاريت.. ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربنا
قال المفيد: «والصحيح من حديث الاشباح الرواية التي جاءت عن الثقات:
بأن آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحا يلمع نورها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: إنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم. وأعلمه أن لولا الاشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماء ولا أرضا» (المسائل السروية للمفيد ص39 بحار الأنوار5/ نور البراهين للجزائري2/185).
يعني أن الله خلق الكون من أجل من هم اليوم أموات. لكن الكون باق!!! فهل يعني أن وجودنا بلا سبب لأن السبب لم يعد له وجود بيننا؟!
قال السيد هاشم البحراني:
«ووعده المقام المحمود فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان عليه السلام» (حلية الأبرار1/245 السيد هاشم البحراني).
وهذه غيض من فيض كفر تفضيل غير النبي على النبي.
ويروي المجلسي رواية طويلة عن علي وفيها «ثم أقوم أنا فيتبعني من كان يتولاني وكأني بكما معي، ثم يؤتى بنا فيجلس على العرش ربنا ويؤتى بالكتب فنرجع فنشهد على عدونا، ونشفع لمن كان من شيعتنا» (بحار الأنوار8/47).