لم تكن تصريحات الخميني المثيرة للجدل بشأن النبي محمد ﷺ والمهدي المنتظر مجرد كلماتٍ عابرة، بل شكَّلت صدمةً قويةً في العالم الإسلامي، إذ اعتبرها العلماء خروجًا سافرًا على العقيدة الإسلامية، وطعنًا مباشرًا في مكانة النبي الأعظم ﷺ الذي قال الله تعالى عنه:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وقد هزَّت هذه التصريحات وجدان الأمة الإسلامية، وأثارت موجة استنكار عارمة في أوساط العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية في مختلف بقاع العالم الإسلامي.
لقد جاءت ردود العلماء لتؤكِّد أن هذه الأقوال تمثِّل انحرافًا خطيرًا عن الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة، بل ذهبوا إلى اعتبارها ضربًا من الشرك والزندقة. ومن هنا توالت البيانات والفتاوى من كبرى الهيئات الإسلامية، مثل (رابطة العالم الإسلامي)، (دار الإفتاء التونسية)، (المجلس العلمي المغربي)، و (رابطة علماء العراق)، لتضع النقاط على الحروف وتكشف حجم الانحراف في هذه المزاعم.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
§ تحريف القرآن في معتقدات بعض علماء الشيعة § تحريف القرآن من العلماء الشيعة المتأخرين والمعاصرين |
أخي: بقي أن تعرف ما موقف علماء أهل السُّنَّة مما قاله خميني، هذا ما سآتي به بإذن الله.
أيها القارئ الباحث عن الحقيقة:
لقد أثارت تصريحات خميني التي ذكرتُها لك آنفًا موجة غضبٍ واستنكارٍ في صفوف المسلمين وأوساطهم، وأعلنوا أنها تصريحات غريبة ومناقضة لأصل العقيدة الإسلامية ولروح الإسلام والسُّنَّة النبوية الشريفة. وقالت هذه الأوساط عبر فتاوى وبيانات أصدرتها: إن ما جاء في أقوال خميني، يعد خرقًا فظيعًا لمبادئ الإسلام، وطعنًا في شخص الرسول الكريم محمد ﷺ، الذي جاء مصلحًا وهاديًا للبشرية ومنقذًا لها.
وقد أكدت هذه الأوساط أن ما قاله خميني يعد خروجًا على كل ما قررته العقيدة الإسلامية، وأجمع عليه المسلمون في شخص الرسول ﷺ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وقد أبدى المسلمون في كل مكان المزيد من الاستغراب والدهشة بسبب عدم صدور أي تكذيب أو نفي لتلك التصريحات المهووسة.
وفيما يأتي من برقياتٍ وفتاوى الاحتجاج والاستنكار لتصريحات خميني الغريبة، ودحض مضمونها الخارج على الإسلام، والمتنكر لرسوله ﷺ.
أولًا: بيان (رابطة العالم الإسلامي)
استنكرت رابطة العالم الإسلامي بشدة تصريحات خميني حول ما أسماه بظهور المهدي المنتظر لتحقيق ما عجز عنه الأنبياء. وقال بيان أصدرته الرابطة بهذا الشأن، نشر في جريدة أخبار العالم الإسلامي بتاريخ 9 رمضان 1400هـ:
"إن العبارات التي وردت في كلمة وجَّهها خميني يوم 15 شعبان الماضي، وأذاعها راديو طهران، تعارض معارضةً صريحة العقيدة الإسلامية ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتحوي مناقضةً صريحة للإسلام وما جاء به القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وما أجمعت عليه أمة المسلمين وعلماؤها."
وذكرت الرابطة أن تكذيبًا أو نفيًا لهذه التصريحات لم يصدر من طهران، على الرغم مما تحويه من إنكارٍ لتعاليم الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة على أن نبينا ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو المصلح الأعظم للبشرية جمعاء، حيث أُرسِل بأكمل الرسالات وأتمِّها، كما قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
وقال ﷺ: (تركتكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
واختتمت الرابطة بيانها داعيةً الله تعالى أن يجنب المسلمين مزالق الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهمهم سبيل الرشد، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أقول: هذا هو بيان الرابطة، وسآتي ببقية بيانات العلماء في باقي أرجاء العالم الإسلامي لاحقًا بإذن الله.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ثانياً: فتوى (مفتي الجمهورية التونسية الحبيب بلخوجة)
أدان الشيخ الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية تصريحات خميني، التي تطاول فيها على مقام النبي محمد ﷺ، وادعى فيها أن الرسول الكريم لم يؤدِّ رسالته على الوجه الأكمل.
وقال الشيخ بلخوجة في كلية الزيتونة:
"إن هذه التصريحات تشكِّل مساسًا بالدين، وتتناقض تمامًا مع مبادئ القرآن الكريم..."
وقال أيضًا: "إن الذي يتجاهل السنة، ويناقض القرآن الكريم: يكذب إذا ادعى أنه ينتمي إلى الإسلام أو أن يكون حاملًا لرايته."
ثالثًا: فتوى (علماء المغرب)
أصدر علماء المغرب فتوى دينية ردًّا على تصريحات خميني، نشرت في العدد الرابع من مجلة دعوة الحق الصادرة في شعبان - رمضان 1400هـ (تموز - يوليو 1980م) عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية.
وقد جاءت هذه الفتوى معبِّرة عن إجماع أعضاء المجالس العلمية في أنحاء المملكة المغربية كافة على إدانة الخميني استنادًا إلى الكتاب والسنة.
وأعلنت الفتوى:
"إن أقوال خميني أقوال شنيعة ومزاعم باطلة فظيعة تؤدي إلى الإشراك بالله عز وجل."
وأوضحت أن من أخطر ما زعمه خميني:
"إن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون".
ومقتضى ذلك أن خميني يعد المهدي المنتظر شريكًا لله عز وجل في الربوبية والتكوين. وهذا كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم.
ولا يقره أي مذهب من المذاهب الإسلامية، لا يبرأ قائله من الشرك والكفر بالله قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67].
وأهاب علماء المغرب في فتواهم هذه ببقية العلماء في العالم الإسلامي الوقوف وقفة رجل واحد بوجه هذا التيار الهدام، فيردوا كل شبهة عن عقيدة الإسلام …
رابعًا: بيان (رابطة العلماء في العراق)
اطلعت هذه الرابطة على خطبة خميني السالفة الذكر، وأصدرت بيانًا مطوَّلًا، جاء فيه:
"وحيث إن هذا الزعم يشكل انحرافًا عن جوهر الشريعة الإسلامية، وردَّة عن تعاليم الدين الحنيف، ومخالفة صريحة لقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
ودسًّا خطيرًا يبتغي به زاعمه – لأغراضٍ في نفسه – تحويل أنظار المسلمين عن النبي العربي الكريم صاحب الخلق العظيم، الذي بعثه الله رحمةً للعالمين ومنقذًا للبشرية من الظلمات إلى النور..."
وبما أن من واجب علماء الدين بيان الحقيقة والمعروف، والتنديد بالأفكار والتيارات الفاسدة المشبوهة التي تحاول النيل من الإسلام وجوهره، فقد تدارست جمعية رابطة العلماء في العراق خطورة هذه الأقوال الفاسدة وأثرها في تسميم الفكر، وتضليل الرأي في المجتمعات الإسلامية وانعكاساتها السلبية في نشر الإسلام في المجتمعات غير الإسلامية. وقررت بالإجماع إصدار هذا البيان تعبيراً عن استنكار علماء الدين في العراق لهذا الزعم الذي أطلقه خميني وتأكيداً على أن مثل هذه التصريحات المضللة مما يثير الفتنة والشكوك في العالم الإسلامي، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يصدر عن أي مسلم من المسلمين، والله من وراء القصد ".
هل ارتدع خميني وهو يرى توالي فتوى العلماء من كل مكان شجباً واستنكاراً، هل تراجع عن أفكاره تلك وهو يرى عقلاء وعلماء الأمة في كل مكان ينكرون ما كتب؟
كلا!! لم يتراجع، ولم يحرك ساكناً، ولم يقدم اعتذاراً يعلن فيه تبرأه مما قاله من كلمات خطيرة، وعبارات مسيئة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام. بل أكد على ما ذكره في خطاب جديد، مما يدلك أنه كان مؤمناً بتلك الآراء مع سبق الإصرار والترصد. ب - أكد خميني ما يعتقده من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينجح في إقامة نظام حكم بسبب ما يدعيه من غلبة المنافقين ومن أن علياً عليه السلام لم يوفق في كشف الحقائق، وذلك في خطاب له بمناسبة مولد الإمام الرضا عليه السلام في 9 / آب م1984.
وقد نشرت مجلة ايشيا الأسبوعية (التي تصدر في مدينة لاهور عن الجماعة الإسلامية المعروفة بجماعة المودودي في عددها الصادر في 29 ذي الحجة 1404 ه الموافق 23 / أيلول / 1984) نص الخطاب مع تعليق لاذع تحت عنوان "هذا نفي للإسلام، وتاريخ الإسلام، وأمر لا يحتمله حتى الأصدقاء" نقلاً عن مجلة (امباكت انتر ناشنل _ الصادرة في لندن بتاريخ 24 / 8 / 1984،وهي من مجلات الجماعة الإسلامية أيضا).
ولأهمية هذه المجلة ولوثوقها عند الجماعة الإسلامية التي كانت متعاطفة في بداية الأمر مع نظام خميني نشير إلى أهم الفقرات من التعليق والخطاب المشار أيليهما ليكون حجة دامغة على كل من لا يزال يرى بصيصاً من الدين في خميني وزمرته.
"إن السيد الخميني وجد احتفال مولد الإمام الرضا فرصة ليظهر ما في ضميره، وإن الأفكار التي أوردها لا تنفي الإسلام فحسب، بل تنفي تاريخ الإسلام أيضا إذ قال خميني: "إني متاسف لأمرين، أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا …وحتى في عهد رسول الإسلام صلى الله عليه واله لم يستقم نظام الحكم كما ينبغي".
وكان خميني (كما يقول التعليق) يرى أن هدف النبوة الوحيد هو إقامة نظام الحكم كما يريده الإسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينجح في ذلك، ولكن الفرضين غير صحيحين، إذ أن هدف النبوة ليس إقامة نظام الحكم فقط فضلاً عن أن النبي صلى الله علية وسلم نجح في إرساء نظام حكم يكون أسوة للمسلمين في مستقبل حياتهم. ولم يصدق خميني في إطلاق القضيتين.
وقال خميني في خطابه آنف الذكر:
ووقع في العصر العلوي نفس الشيء أي لم يحصل النجاح في إقامة الحكم الإسلامي وبقي هذا النقص في عصور بقية الأئمة أيضاً، فنجد عصر سيدنا علي عليه السلام مليئاً بالحروب والجدال والاضطرابات الداخلية ومؤتمرات المنافقين لذلك لم ينجح علي عليه السلام في إقامة نظام الحكم الذي كان يقصده.
وجاء في نص خطابه كما ورد في المجلة الإسلامية:
إن علياً عليه السلام لم تتح له الفرصة لكشف علم الحقيقة، وعلم الحقيقة هذا هو الذي أخبر النبي علياً في أذنه وقال علي بنفسه: إن العلم الذي أخبر به النبي في أذني يشمل آلاف الأبواب من العلم.
والأمر المؤسف هو عدم إتاحة الفرصة للإمام علي وخلفائه من الأئمة من بعده لإظهار هذا العلم، ولم يجدوا شخصاً يكون أهلاً لتحمل هذا العلم ولبيان المعنى الحقيقي للتعليمات القرآنية، وهكذا ذهب الإمام ومعه علم الحقيقة).
ترى بم أجابت المجلة على هذا الكلام؟
هذا ما ستقرأه في المقال الآتي بإذن الله.
وتعلق المجلة على هذه الفقرة فتقول:
أليس القرآن الكريم هو منبع العلم؟
ألم يوضح العلم الذي كان ضرورياً عن طريق القرآن؟
يجيب عنه خميني بقوله في خطابه:
" إن القران اليوم مستور وملفوف، وإن العلماء والمفكرين قد شرحوا القرآن إلى حد ما، ومع ذلك لم يكن ما كان ينبغي أن يكون، وتفاسير القرآن الموجودة من البداية إلى وقتنا هذا ليست تفاسير، بل هي تراجم نجد فيها لمساً للقرآن، ولكنها لا تستحق أن تعتبر تفسيراً كاملاً للقرآن ".
ثم أضاف خميني قائلاً ومتاسفاً: " الذي لم نجده إلى الآن هو الإنصاف الإلهي، والذي لم يحصل عليه إلى يومنا هذا. والآن وقد وهبنا الله النجاح بفضله وكرمه نرى بأم أعيننا أن الحكومة الإيرانية الإلهية كيف تحاك المؤتمرات ضدها؟ وخلاصة هذا الخطاب كما تقول المجلة الناطقة باسم الجماعة الإسلامية السياسية المعروفة في القارة الهندية – " إن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة المعصومين كلهم قصروا في إقامة نظام الحكم، وأنهم لم يستطيعوا أن يوصلوا علم القرآن الحقيقي إلى أهل الإيمان ولذلك بقي القرآن اليوم مستوراً وملفوفاً ".
﴿سبحانك هذا بهتان عظيم﴾....
لقد صدقت الجماعة الإسلامية حين قالت:
إن هذا الخطاب يعني نفي الإسلام وتاريخه، فالإسلام هو ما جاء به القرآن الكريم. وإذا كان القران مستوراً فالإسلام مستور وملفوف، وتاريخ الإسلام في صدره الأول هو سيرة النبي وأصحابه الكرام وآله الأطهار، فإذا لم يكن لنبي سيرة، ولا لأصحابه تاريخ مشرق، ولا لآل بيته تراث يستند إليه من الحكم، فعلى أي أساس يبنى الحكم الإسلامي؟
لقد وعد الخالق سبحانه نبيه في محكم كتابه ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ فهل خالف الباري وعده؟
سبحانك إن الله لا يخلف وعده رسله، فقد أعطاه حتى رضي، وهل يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون قرآن محفوظ ومفهوم؟ ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لهو لحافظون﴾.
إنا مثل هذه الأباطيل التي تتناقض مع الحقائق المعلومة من الإسلام بالضرورة لا تصدر عن فكر ملتزم بالإسلام وقيمه، بل هو الدجل بعينه.
يقول خميني: إن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل… ووردَ عنهم عليهم السلام: إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل) (الحكومة الإسلامية ص 52).
وقال أيضاً: (إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة) (الحكومة الإسلامية 112).
أي مسلم يقول هذا الكلام؟
فضلاً من أن يكون إماماً!! صدر خميني الكثير من الفتاوى والتصريحات قبل ركوبه موجة ثورة الشعوب الإيرانية وبعدها تتناقض أحياناً فيما بينها وتتناقض كثيراً مع الإسلام الذي يدعي الانتماء إليه والعمل بتعاليمه، والحرص على نشره ولعلي اذكر نماذج من تناقضات خميني وتقلباته في مجالات الفكر والسلوك والفتاوى والتصريحات. وأدعو هنا من يعرف شيئاً عن هذه التناقضات أن يدونها تحت هذا العنوان لنكشف للقارئ الكريم الصورة الحقيقية لخميني في الاحتفالية العاشرة لوفاته.