إِنَّ مَسْأَلَةَ عِلْمِ الأَئِمَّةِ عِنْدَ الشِّيعة الإماميَّة تُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ المَسَائِلِ العَقَدِيَّة، لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ التَّبْلِيغِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَعْنَى الوَحْيِ وَوُجُوبِ بَيَانِهِ لِلنَّاسِ كَافَّةً. وَقَدْ نَقَلَتْ كُتُبُ القَوْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْرَثَ الأَئِمَّةَ – وَحْدَهُمْ – عُلُومًا غَيْبِيَّةً وَمَعَارِفَ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ وَصَحَابَتِهِ.
وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مَزَاعِمَ خَطِيرَةً، مِنْهَا: أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَلِّغْ الدِّينَ كَامِلًا، وَأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَ أُمَّتِهِ بِعِلْمٍ مَكْتُومٍ، وَأَنَّ غَيْرَ الأَئِمَّةِ جُهَّالٌ بِمَا هُوَ مِنْ أَصُولِ الشَّرِيعَةِ.
وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مُصَادِمٌ لِنُصُوصِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَاللهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالتَّبْلِيغِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا، وَحَذَّرَ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِنَ العِلْمِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ قَدْ تَمَّ وَكَمُلَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
مِنْ هُنَا جَاءَ هَذَا المَقَالُ لِيَفْحَصَ هَذِهِ الدَّعَاوَى فَحْصًا نَقْدِيًّا، وَيُبَيِّنَ تَنَاقُضَهَا وَمُصَادَمَتَهَا لِلقُرْآنِ وَالمَعْقُولِ وَالوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ.
إِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْعُلُومِ أَخَذُوهَا مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَاطِلٌ.
مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا:
أولاً: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَدُّونَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ الْمَشْهُورِ!
ثَانِيًا: هَلِ الْعِلْمُ الَّذِي وَرَّثَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ فَقَطْ لِلْأَئِمَّةِ أَمْ لِجَمِيعِ النَّاسِ؟
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- حديث النهي عن كتابة الحديث: بين ضعف السند وصحة البيان - الشيعة: بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ وأنها الزَّقُّوم |
إِنْ كَانَ فَقَطْ لِلْأَئِمَّةِ، فَيَلْزَمُهُ:
أَوَّلًا: أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَلِّغْ وَحَصَرَ الدِّينَ بِالْإِمَامِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ اللَّهَ لَعَنَ الَّذِي يَكْتُمُ الْعِلْمَ.
ثَانِيًا: كَيْفَ يَتَنَاقَضُ الْمَعْصُومُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ هَذَا الْعَيْبُ سَيَكُونُ فِي الْوَحْيِ.
ثَالِثًا: اللَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّبْيِينِ لِجَمِيعِ النَّاسِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾.
وَإِذَا قَالَ: عَلَّمَهُ لِكُلِّ النَّاسِ، فَيَلْزَمُهُ:
أَوَّلًا: أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَمِنْهُمْ حُذَيْفَةُ.
ثَانِيًا: كَيْفَ اسْتُثْنِيَ عَلِيٌّ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ؟ لِمَاذَا لَمْ يَكْتُبِ الْكُلَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ بَابًا عَنْ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْغَيْبِ؟ لِمَاذَا اسْتَثْنَى الْأَئِمَّةَ فَقَطْ؟
ثَالِثًا: كَيْفَ يَجْهَلُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ حُكْمَ الْمَذْيِ؟
[random_related_posts]