لا تزال قضية المهدي المنتظر من أكثر القضايا التي تستغلها الفرق الشيعية لتثبيت معتقداتها، وذلك من خلال نسبة أقوالٍ وأفكارٍ إلى كبار علماء أهل السنة والجماعة لم يقولوها، أو عبر اقتطاع النصوص من سياقها لتبدو وكأنها إقرار بولادة المهدي بن الحسن العسكري.
فقد نُسبت هذه المزاعم إلى أعلام كبار مثل ابن حجر الهيتمي، ابن عماد الدمشقي، القندوزي الحنفي، الزركلي وغيرهم، بينما بالرجوع إلى المصادر الأصلية نجد أن هؤلاء العلماء لم يثبتوا هذا الاعتقاد، بل أكدوا أن الكلام منسوب للإمامية فقط، وأوضحوا بطلانه، بل وصفوه بأنه من ضلالات الرافضة.
في هذا المقال نسلط الضوء على أبرز هذه الادعاءات، ونكشف الفرق بين ما نسبه المدلِّسون إلى العلماء، وما قاله العلماء حقيقةً، مع بيان الموقف السني الأصيل من عقيدة الإمامة والغيبة.
(30) أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي
64- أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي (ت/ 974 هـ) في: الصواعق المحرقة،
قال في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر:
((أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
إلى أن قال: مات بسرّ من رأى، ودفن عند أبيه وعمه، وعمره ثمانية وعشرون سنة.
ويقال: إنه سُمّ أيضًا، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القاسم المنتظر، قيل: لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يُعرف أين ذهب)) (1141).
والأمر الذي لم يورده الكاتب هو تتمة الكلام: ومرّ في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه إنه المهدي، وأوردت ذلك مبسوطًا فراجعه فإنه مهم.
◘ فتعالوا نعرف ماذا قال صاحب الصواعق المحرقة في المهدي: الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم الجزء الثاني ص421:
◘ الأئمة الآتين في الفصل الآتي على اعتقاد الإمامية، ومما يُرد عليهم ما صح أن اسم أبي المهدي يوافق اسم أبي النبي، واسم أبي محمد الحجة لا يوافق ذلك، ويرده أيضًا قول علي: مولد المهدي بالمدينة، ومحمد الحجة هذا إنما وُلد بسرّ من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين.
ومن المجازفات والجهالات زعم بعضهم أن رواية "إنه من أولاد الحسن" ورواية "اسم أبيه اسم أبي" كل منهما وهم.
◘ وزعمه أيضًا أن الأمة أجمعت على أنه من أولاد الحسين.
وأنّى له بتوهيم الرواة بالتشهي ونقل الإجماع بمجرد التخمين والحدس؟!
والقائلون من الرافضة بأن الحجة هذا هو المهدي يقولون:
لم يخلف أبوه غيره، ومات وعمره خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى عليه السلام صبيًا، وجعله إمامًا في حال الطفولية كما جعل عيسى عليه السلام كذلك.
توفي أبوه بسرّ من رأى وتستّر هو بالمدينة.
مختارات من السقيفة |
الشيعة الإمامية تخرج النبي صلى الله عليه واله وسلم من الائمة قراءة القرآن في الحمام بين الجواز والضوابط |
وله غيبتان:
صغرى منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وكبرى وفي آخرها يقوم.
وكان فقده يوم الجمعة سنة ست وتسعين ومائتين، فلم يُدرَ أين ذهب، خاف على نفسه فغاب.
فقال ابن خلكان:
والشيعة ترى فيه أنه المنتظر والقائم المهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة.
وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى، دخله في دار أبيه وأمه تنظر إليه سنة خمس وستين ومائتين وعمره حينئذ تسع سنين، فلم يعد يخرج إليها.
وقيل: دخله وعمره أربع، وقيل خمس، وقيل سبع عشرة.
انتهى ملخصًا، والكثير على أن العسكري لم يكن له ولد، لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لما مات، فدل طلبه أن أخاه لا ولد له، وإلا لم يسعه الطلب.
وحكى السبكي عن جمهور الرافضة أنهم قائلون:
إنه لا عقب للعسكري، وأنه لم يثبت له ولد بعد، حتى تعصب قوم لإثباته، وأن أخاه جعفرًا أخذ ميراثه.
وجعفر هذا ضللته فرقة من الشيعة ونسبوه للكذب في ادعائه ميراث أخيه، ولذا سموه واتبعه فرقة وأثبتوا له الإمامة.
والحاصل:
أنهم تنازعوا في المنتظر بعد وفاة العسكري على عشرين فرقة، وأن الجمهور غير الإمامية على أن المهدي غير الحجة هذا، إذ تغيب شخص هذه المدة المديدة من خوارق العادات، فلو كان هو لكان وصفه بذلك أظهر.
(31) عبد الحي بن أحمد المعروف
73-عبد الحي بن أحمد المعروف بابن عماد الدمشقي الحنبلي (ت/ 1089 هـ) في: شذرات الذهب (1143).
وربما يعني: عبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي صاحب شذرات الذهب في أخبار من ذهب.
ولادته: 1032 هـ.
وفاته: 1089 هـ.
وربما يعني الكاتب هذا الفصل من كتابه:
قال العلامة رحمه الله في الجزء الثاني صفحة 150 ما نصه:
والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم، الذي تلقبه الرافضة بالخلف وبالحجة وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان، وهو خاتمة الإثني عشر إمامًا عندهم، ويلقبونه أيضًا بالمنتظر، فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامراء فاختفى، وهم ينتظرونه إلى الآن، وكان عمره لما عُدم تسع سنين أو دونها. وضلال الرافضة ما عليه مزيد، قاتلهم الله تعالى. انتهى كلام العلامة الدمشقي.
مقالات السقيفة ذات صلة |
الروايات الصحيحة في كتب أهل السنة والجماعة عن المهدي مع نزول عيسى أحاديث نزول عيسى وصلاته وخروج المهدي شبهة حديث: المهدي خير من ابي بكر وعمر |
(32) سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي
-87 سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت/ 1270 هـ).
◘ كان القندوزي (رحمه الله) عالمًا منصفًا، كما يظهر من كتابه القيم ينابيع المودة، فقد أخرج فيه أحاديث كثيرة عن أهل بيت العصمة (ع) في الإمام المهدي (ع)، ونقل قول ابن حجر الهيتمي المتقدم في التسلسل رقم 65، ثم قال:
((فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات أن ولادة القائم (ع) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء)) (1146).
(33) القندوزي الحنفي
القندوزي الحنفي (1220-1270 هـ = 1805-1853).
قال الشيخ عبد الرحمن الدمشقية:
◘ وهو سليمان بن خوجه إبراهيم قبلان الحسيني الحنفي النقشبندي القندوزي (وانظر الأعلام 3/125 للزركلي).
◘ وهو نقشبندي صوفي، والتصوف فرع التشيع، بل كان من غلاة المتصوفة وفلاسفتهم على مذهب ابن عربي الذي أجمع خمسمائة عالم من كبار علماء المسلمين على كفره.
وهو رافضي، والرافضة عند الأحناف كفار، فقد ذكر السبكي أن مذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين عند الشافعي، والظاهر من الطحاوي في عقيدته: كفر سابّ أبي بكر (فتاوى السبكي 2/590).
وهناك حقيقة أن هذا الكتاب لا يوجد في بلدان سنية ولم يُطبع، بل طُبع في طهران، وهذا خير دليل على أن في الأمر سرًا، وإلا فما طبعته دار الأسوة للطباعة والنشر بدولة الرفض وزعزعة البلدان الآمنة؟ ومحقق الكتاب: السيد علي جمال أشرف الحسيني، وهو شيعي اثنا عشري.
هدية العارفين إسماعيل باشا البغدادي، الجزء الأول: القندوزي - سليمان بن خواجه كلان إبراهيم بن بابا خواجه القندوزي البلخي الصوفي الحسيني، نزيل قسطنطينية، ولد سنة 1220 وتوفي سنة 1294 (أربع وتسعين ومائتين وألف).
﴿34﴾ خير الدين الزركلي الوهابي
94- خير الدين الزركلي الوهابي (ت/ 1396 هـ) في: الأعلام، قال تحت عنوان (المهدي المنتظر):
((محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم.
آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية.
ولد في سامرا، ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين.. وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة 255، وفي تاريخ غيبته: سنة 265))((1148)).
◘ (المهدي المنتظر) (256 - 275 هـ = 870 - 888 م) محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم: آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية.
◘ وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة، وصاحب السرداب.
ولد في سامراء.
◘ ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين.
◘ ولما بلغ التاسعة أو العاشرة أو التاسعة عشرة دخل سردابًا في دار أبيه بسامراء ولم يخرج منه.
قال ابن خلكان:
والشيعة ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى.
وقيل في تاريخ مولده:
ليلة نصف شعبان سنة 255، وفي تاريخ غيبته: سنة 265، وفي المؤرخين (كما في منهاج السنة) من يرى أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل.