من القضايا الدقيقة في علم الحديث الشريف مسألة التفريق بين صحة الإسناد وصحة المتن، إذ ليس كل حديث قيل فيه "إسناده صحيح" يكون بالضرورة "حديثًا صحيحًا" من حيث المتن.

فقد بيّن كبار المحدثين كابن الصلاح، وابن كثير، والعراقي، وابن حجر أن الحكم على الإسناد قد يختلف عن الحكم على الحديث نفسه، بسبب احتمال وجود شذوذ أو علة خفية. هذا المقال يسلط الضوء على هذه المسألة المهمة، موضحًا أقوال العلماء وطرائقهم في الحكم على الأحاديث.

أولا:

قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله:

"قولهم: (هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد) دون قولهم: (هذا حديث صحيح أو حديث حسن)، لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح لكونه شاذًا أو معلَّلًا".

مقدمة في علوم الحديث (ص/23).

ويقول ابن كثير رحمه الله:

"الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذًّا أو معلَّلًا".

اختصار علوم الحديث (ص/43).

ثانيا:

ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق شروط الحديث وأصعبها على الناقد لأن تحقيقهما يحتاج إلى بحث شديد، وتدقيق، وجمع لطرق الحديث ورواياته، كما يحتاج إلى خبرة واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين في أحكامهم، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى.

فإذا تحققت هذه الشروط في إسناد معين قالوا: "إسناد صحيح"، ليُشعروا القارئ أنهم ضمنوا الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس، حتى يكون القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث.

وقد قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله:

"قولهم: (هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد) دون قولهم: (هذا حديث صحيح أو حديث حسن)، لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح لكونه شاذًا أو معلَّلًا".

مقدمة في علوم الحديث (ص/23).

ويقول ابن كثير رحمه الله:

"الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذًّا أو معلَّلًا".

اختصار علوم الحديث (ص/43).

ويقول العراقي في ألفيته:

"والحكم للإسناد بالصحة أو *** بالحسن دون الحكم للمتن رأوا".

التبصرة والتذكرة (1/107).

ثالثا:

ومع ذلك فقد يُستثنى من هذه التفرقة ما إذا عُرف الإمام بأنه لا يفرّق في اصطلاحه بين هذين الاستعمالين "إسناد صحيح" و"حديث صحيح". فقد يطلق الإمام خاصة من المتقدمين قوله "إسناد صحيح" ويريد به تصحيح الحديث نفسه، والحكم بانطباق الشروط الخمسة جميعها.

قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله:

"غير أن المصنِّف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر. والله أعلم".

مقدمة في علوم الحديث (ص/23).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين من يُفرِّق في وصفه الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق، وبين من لا يُفرِّق.

فمن عُرف من حاله بالاستقراء التفرقة يُحكم له بمقتضى ذلك، ويُحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معًا، وتقييده على الإسناد فقط.

ومن عُرف من حاله أنه لا يصف الحديث دائمًا وغالبًا إلا بالتقييد، فيُحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرًا". انتهى. [وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة]

النكت على ابن الصلاح (1/474).

والله أعلم.