كثُر في العقود الأخيرة استدلال دعاة التشيع مثل الحيدري والكوراني بكتب منسوبة إلى علماء أهل السنة والجماعة بزعم أنها تثبت ولادة المهدي المنتظر ابن الحسن العسكري، بل ويستشهدون بمؤلفات قديمة نادرة أو مطبوعة في النجف وطهران ليضفوا عليها المصداقية. غير أن البحث العلمي الدقيق في هذه المصادر يبين أن معظمها إما مخطوطات لم تثبت صحتها، أو كتب صوفية تذكر أحاديث عامة عن المهدي دون أي إشارة إلى ولادته، أو نقول ينقل فيها المؤلف عقيدة الشيعة بصيغة «بزعمهم» من غير تبنٍ ولا اعتراف. ومن ثم فإن الادعاء بوجود نصوص سنية تؤكد ولادة مهدي الشيعة هو تلبيس صريح لا يقوم على دليل، بل ينكشف بالتتبع والتحقيق. هذا المقال يعرض أبرز الأسماء والكتب التي يتمسك بها الحيدري والكوراني ويبين الحقيقة الكاملة وراء كل مصدر.
مختارات من السقيفة |
الشيعة الإمامية تخرج النبي صلى الله عليه واله وسلم من الائمة قراءة القرآن في الحمام بين الجواز والضوابط |
الرد على الزعم بوجود كتب للسنة تثبت ولادة المهدي:
(1) محمد بن هارون أبو بكر الروياني:
◘ -1 محمد بن هارون أبو بكر الروياني (ت 307 هـ)، في كتابه المسند (مخطوط).
بحثتُ عسى أن أجد شيئاً عن المهدي فلم أجد ما يتعلق بولادته، ووجدت حديثاً واحداً لا غير، وهو الحديث رقم 619:
نا ابن إسحاق، نا يحيى بن معين، نا عبد الرزاق، أنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم.
ثم تجيء رايات سود من قِبَل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم قط مثله».
ثم ذكر شيئاً، قال: «فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي».
ومن أسمائهم تعرفونهم.
هل النجف الأشرف ستتكلف وتطبع كتاباً سنياً؟ لا يمكن أبداً.
لذلك لا يجب أن يُستشهد بهذا الكتاب، ولا بد أن النجف لن يقوم بطباعته لوجه الله، بل أكيد إما أن يكون الكاتب صوفياً أو تسنن بعد كتابة الكتاب.
(2) أبو بكر البغدادي
◘ -3 محمد بن أحمد بن أبي الثلج أبو بكر البغدادي (ت 322 هـ)، في: مواليد الأئمة.
مطبوع ضمن كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ومطبوع أيضاً مع كتاب نوادر الراوندي سنة 1370 هـ بالنجف الأشرف.
ولا يجب أن يُحتج علينا بما طُبع بالنجف أو إيران.
ومن قواعد البحث النزيه: الاحتجاج بما عند الخصم.
(3) أبو نعيم الأصبهاني
◘ 8- أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ)، في الأربعين حديثاً في المهدي.
وهو صوفي صنّف الكتاب في المهدي، ونقل الأحاديث التي رويت فيه عن الرسول، ولم يفرّق بين ضعيف وصحيح.
لكن نقطة البحث التي نحن بصددها (ولادته) لم يذكرها.
إنما ذكر عمر المهدي (1/48): قال أبو نعيم، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يكون في أمتي المهدي، إن قُصر عمره فسبع سنين، وإلا فثمان، وإلا فتسع سنين.
تنعم أمتي في زمانه نعيمًا لم يتنعموا مثله قط، البر والفاجر، يرسل الله السماء عليهم مدراراً، ولا تدخر الأرض شيئاً من نباتها».
أما مسألة ولادته بسامراء وغيبته، فلا شيء يُوجد.
مقالات السقيفة ذات صلة |
الروايات الصحيحة في كتب أهل السنة والجماعة عن المهدي مع نزول عيسى أحاديث نزول عيسى وصلاته وخروج المهدي شبهة حديث: المهدي خير من ابي بكر وعمر |
(4) نفس الكلام ينطبق على:
◘ 10- مؤلف كتاب مجمل التواريخ والقصص باللغة الفارسية (ت 520 هـ)، ص 458، طُبع في طهران.
(5) ابن الخشاب البغدادي
◘-11 محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد أبو محمد المعروف بابن الخشاب (ت 536 هـ)، كما في كتاب تاريخ مواليد الأئمة.
ولم يذكر صاحب دفاع عن الكافي إلا الاسم وعنوان الكتاب، ولم يذكر النص.
فنضعه نحن الآن للقارئ ليرى بنفسه:
تاريخ مواليد الأئمة (المجموعة) [ص 42–43]:
(في حالات الإمام العسكري عليه السلام): وكان عمره أربعين سنة إلا أياماً.
قبره بسر من رأى.
أمه سمانة ويقال منفرشة المغربية.
لقبه: الناصح والمرتضى والنقي والمتوكل، يُكنى بأبي الحسن.
ذكر العسكري عليه السلام: ولد أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام سنة 231.
وتوفي يوم الجمعة، وقال بعض الرواة: يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة 260.
وكان عمره تسعة وعشرين سنة، منها بعد أبيه خمس سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوماً. قبره بسر من رأى. أمه سوسن. هذا آخر رواية حرب.
ذكر ابن الخشاب قولاً مهماً، وهو ولادة من يدعونه المهدي سنة 231 ووفاته سنة 260.
وهذا التاريخ – أي تاريخ وفاته – قالت الشيعة الإمامية إنه بداية الغيبة الصغرى.
لكن ابن الخشاب يذكر أن من يدعون فيه أنه المهدي مات، على عمر يناهز 29 سنة، وقبره بسر من رأى (بسامراء).
(6) الخوارزمي
6- الخوارزمي (ت 387 هـ)، في مفاتيح العلوم (ص 32–33، طبعة ليدن/1895م).
حاول الكاتب أن يوهمنا أن الخوارزمي قال بولادة مهدي الشيعة _ لكن الله له بالمرصاد.
فاقرؤوا ماذا قال الخوارزمي:
الفصل الخامس: في أسامي أرباب الملل والنحل المختلفة.
الفرقة الخامسة: الإمامية.
نعوت الأئمة على مذهب الاثني عشرية:
علي المرتضى، ثم الحسن المجتبى، ثم الحسين سيد الشهداء، ثم علي زين العابدين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الهادي، ثم علي الصابر، ثم الحسن الطاهر، ثم محمد المهدي القائم المنتظر، وأنه لم يمت، ولا يموت بزعمهم حتى يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وكلمة «بزعمهم» تكفي لإفهامنا أنه يتحدث عن معتقد طائفة ثانية غير الطائفة التي يؤمن بها وينتمي إليها، فهو هنا ينقل معتقد الشيعة الإمامية في المهدي فقط، ولا يعبّر عن وجهة نظره.